الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الجزء الثاني عشر الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّاللَّهَ ابْتَاعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِالْجَنَّةِ {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} يَقُولُ: وَعَدَهُمُ الْجَنَّةَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِهِ، فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ: التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، إِذَا هُمْ وَفُّوا بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ، فَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِهِ وَنُصْرَةِ دِينِهِ أَعْدَاءَهُ، فَقَتَلُوا وَقُتِلُوا {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ أَحْسَنُ وَفَاءً بِمَا ضَمِنَ وَشَرَطَ مِنَ اللَّهِ {فَاسْتَبْشِرُوا}، يَقُولُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَاسْتَبْشِرُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ فِيمَا عَاهَدُوا، بِبَيْعِكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ بِالَّذِي بِعْتُمُوهَا مِنْ رَبِّكُمْ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَلِلَّهِ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، وَفَّى بِهَا أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، ثُمَّ حَلَّاهُمْ فَقَالَ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، إِلَى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، يَعْنِي بِالْجَنَّةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، قَالَ: ثَامَنَهُمُ اللَّهُ، فَأَغْلَى لَهُمُ الثَّمَنَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، قَالَ: بَايَعَهُمْ فَأَغْلَى لَهُمُ الثَّمَنَ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَرَطَ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ! قَالَ: اشْتَرَطَ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ. قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَمَاذَا لَنَا؟ قَالَ: الْجَنَّةُ! قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ، لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ! فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الْآيَةَ». قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ طُفَيْلٍ الْعَبْسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} الْآيَةَ، قَالَ الرَّجُلُ: أَلَا أَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأُقَاتِلُ حَتَّى أُقْتَلَ؟ قَالَ: وَيْلَكَ! أَيْنَ الشَّرْطُ؟ {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّهُ رَفَعَ، إِذْ كَانَ مُبْتَدَأً بِهِ بَعْدَ تَمَامِ أُخْرَى مِثْلِهَا. وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 18]، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَعْنَى: "التَّائِبُون" الرَّاجِعُونَ مِمَّا كَرِهَهُ اللَّهُ وَسَخِطَهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (التَّائِبُونَ)، قَالَ: تَابُوا إِلَى اللَّهِ مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ قَرَأَ {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، قَالَ: تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَبَرِئُوا مِنَ النِّفَاقِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، قَالَ: تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَبَرِئُوا مِنَ النِّفَاقِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: التَّائِبُونَ مِنَ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، قَالَ الْحَسَنُ: تَابُوا وَاللَّهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَبَرِئُوا مِنَ النِّفَاقِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: (التَّائِبُونَ)، قَالَ: تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ لَمْ يُنَافِقُوا فِي الْإِسْلَامِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: (التَّائِبُونَ)، قَالَ: الَّذِينَ تَابُوا مِنَ الذُّنُوبِ، ثُمَّ لَمْ يَعُودُوا فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (الْعَابِدُونَ)، فَهُمْالَّذِينَ ذَلُّوا خَشْيَةً لِلَّهِ وَتَوَاضُعًا لَهُ، فَجَدُّوا فِي خِدْمَتِهِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (الْعَابِدُونَ)، قَوْمٌ أَخَذُوا مِنْ أَبْدَانِهِمْ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ، قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِ اللَّهِ (الْعَابِدُونَ)، قَالَ: عَبَدُوا اللَّهَ عَلَى أَحَايِينِهِمْ كُلِّهَا، فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: (الْعَابِدُونَ)، قَالَ: الْعَابِدُونَ لِرَبِّهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (الْحَامِدُونَ)، فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ مَا امْتَحَنَهُمْ بِهِ مَنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (الْحَامِدُونَ)، قَوْمٌ حَمِدُوا اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: (الْحَامِدُونَ)، الَّذِينَ حَمِدُوا اللَّهَ عَلَى أَحَايِينِهِمْ كُلِّهَا، فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: (الْحَامِدُونَ)، قَالَ: الْحَامِدُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (السَّائِحُونَ)، فَإِنَّهُمُ الصَّائِمُونَ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ "السَّائِحِين" فَقَالَ: هُمُ الصَّائِمُونَ». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّائِحُون" هُمُ الصَّائِمُون». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيَّبَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: السِّيَاحَةُ الصِّيَامُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (السَّائِحُونَ)،: الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَشْعَثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، هُمُ الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (السَّائِحُونَ)، قَالَ: يَعْنِي بِالسَّائِحِينَ، الصَّائِمِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، هُمُ الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرَ السِّيَاحَةِ هُمُ الصَّائِمُونَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْعَبْدِيِّ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الَّذِينَ يُدِيمُونَ الصِّيَامَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (السَّائِحُونَ)، فَإِنَّهُ الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (السَّائِحُونَ)، يَعْنِي الصَّائِمِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَيَعْلَى وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: (السَّائِحُونَ)، الصَّائِمُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو: أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: كَانَتِ السِّيَاحَةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا سَاحَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، رَأَى مَا كَانَ يَرَى السَّائِحُونَ قَبْلَهُ. فَسَاحَ وَلَدُ بَغِيٍّ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَسَاءَ أَبَوَايَ وَأَحْسَنْتُ أَنَا؟ قَالَ: فَأُرِيَ مَا رَأَى السَّائِحُونَ قَبْلَهُ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِذَا تَرَكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالنِّسَاءَ، فَهُوَ السَّائِحُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ (السَّائِحُونَ)، قَوْمٌ أَخَذُوا مِنْ أَبْدَانِهِمْ، صَوْمًا لِلَّهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَة قالَتْ: سِيَاحَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامُ. وَقَوْلُهُ: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}، يَعْنِي الْمُصَلِّينَ، الرَّاكِعِينَ فِي صَلَاتِهِمْ، السَّاجِدِينَ فِيهَا، كَمَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}، قَالَ: الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْحَقِّ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَاتِّبَاعِ الرُّشْدِ وَالْهُدَى، وَالْعَمَلِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ نَهْيُهُمُ النَّاسَ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ نَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، عَنِ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ، قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا النَّاسَ حَتَّى كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى انْتَهَوْا عَنْهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ" الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ " وَ" النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، دُعَاءٌ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ نَهْيٌ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّيَاطِينِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّ "الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوف" هُوَ كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ" النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " هُوَ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عِبَادَهُ أَوْ رَسُولُهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا عُنِيَ بِهَا خُصُوصٌ دُونَ عُمُومٍ، وَلَا خَبَرَ عَنِ الرَّسُولِ، وَلَا فِي فِطْرَةِ عَقْلٍ، فَالْعُمُومُ بِهَا أُولَى، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: الْمُؤَدُّونَ فَرَائِضَ اللَّهِ، الْمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، الَّذِينَ لَا يُضَيِّعُونَ شَيْئًا أَلْزَمَهُمُ الْعَمَلَ بِهِ، وَلَا يَرْتَكِبُونَ شَيْئًا نَهَاهُمْ عَنِ ارْتِكَابِهِ، كَالَّذِي:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}، يَعْنِي: الْقَائِمِينَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَهُوَ شَرْطٌ اشْتَرَطَهُ عَلَى أَهْلِ الْجِهَادِ، إِذَا وَفَوُا اللَّهَ بِشَرْطِهِ؛ وَفَى لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}، قَالَ: الْقَائِمُونَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُهَيْلٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}، قَالَ: الْقَائِمُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ}، قَالَ: لِفَرَائِضِ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَبَشِّرِ الْمُصَدِّقِينَ بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ إِذَا هُمْ وَفَّوُا اللَّهَ بِعَهْدِهِ، أَنَّهُ مُوَفٍّ لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنْ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ}، حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، قَالَ الَّذِينَ وَفَوْا بِبَيْعَتِهِمْ {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ}، حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُهُمْ وَسَيْرُهُمْ فِي الرَّخَاءِ، ثُمَّ لَقَوُا الْعَدُوَّ فَصَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَبَشِّرْ مِنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ يَعْنِي قَوْلَهُ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَإِنْ لَمْ يَغْزُوا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، قَالَ: الَّذِينَ لَمْ يَغْزُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىمِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ " {أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} "يَقُولُ: أَنْ يَدْعُوا بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ " {أُولِي قُرْبَى}" ذَوِي قَرَابَةِ لَهُمْ " {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} " يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُشْرِكٍ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدِ اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ؟ فَلَمْ يَكُنِ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا لِمَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ. فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوٌّ، خَلَّاهُ وَتَرَكَهُ، وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ، وَآثَرَ اللَّهَ وَأَمَّرَهُ عَلَيْهِ، فَتَبَرَّأَ مِنْهُ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ! فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ! فَنَزَلَتْ: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين" وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، [الْقِصَصِ: 56]. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُجِدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ! قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخَرَ مَا كَلَّمَهُمْ: "هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِب" وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين" وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الْآيَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين" قَالَ: يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: أَلَا نَسْتَغْفِرُ لِآبَائِنَا وَقَدِ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ كَافِرًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " الْآيَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَلَا أَزَالُ أَسْتَغْفِرُ لِأَبِي طَالِبٍ حَتَّى يَنْهَانِي عَنْهُ رَبِّي! فَقَالَ أَصْحَابُهُ: لَنَسْتَغْفِرَنَّ لِآبَائِنَا كَمَا اسْتَغْفَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين" إِلَى قَوْلِهِ: " تَبَرَّأَ مِنْهُ ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ عَمِّ، إِنَّكَ أَعْظَمُ النَّاسِ عَلَيَّ حَقًّا، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَلَأَنْتَ أَعْظَمُ عَلَيَّ حَقًّا مِنْ وَالِدِي، فَقُلْ كَلِمَةً تَجِبُ لِي بِهَا الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي سَبَبِ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِ أُمِّهِ حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَيَسْتَغْفِرَ لَهَا، حَتَّى نَزَلَتْ: " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى "إِلَى قَوْلِهِ: " تَبَرَّأَ مِنْهُ ". قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى رَسْمَ، قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: قَبْرٍ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يُخَاطِبُ، ثُمَّ قَامَ مُسْتَعْبِرًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا رَأَيْنَا مَا صَنَعْتَ! قَالَ: إِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي، فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي. فَمَا رُئِيَ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} "إِلَى: " {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمِّهِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ قَدِ اسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} " إِلَى " {لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ". وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} "الْآيَةَ، فَكَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَلَمَّا نَزَلَتْ، أَمْسَكُوا عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِأَمْوَاتِهِمْ، وَلَمْ يَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْأَحْيَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ}" الْآيَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، «عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} "الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْجِوَارَ، وَيَصِلُ الْأَرْحَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُوَفِّي بِالذِّمَمِ، أَفَلَا نَسْتَغْفِرُ لَهُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلَى! وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لِأَبِي، كَمَا اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ! قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}" حَتَّى بَلَغَ: "الْجَحِيم" ثُمَّ عَذَرَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}،. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: أُوحِيَ إِلَيَّ كَلِمَاتٌ فَدَخَلْنَ فِي أُذُنِي، وَوَقَرْنَ فِي قَلْبِي: أُمِرْتُ أَلَّا أَسْتَغْفِرَ لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، وَمَنْ أَعْطَى فَضْلَ مَالِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكَ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَلَا يَلُومُ اللَّهُ عَلَى كَفَافٍ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ". فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَا كَانَ لَهُمُ الِاسْتِغْفَارُ وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ}، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ الْإِيمَانُ {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، [يُونُسَ: 100]. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَتْ "أَن" مَعَ "كَان" فَكُلُّهَا بِتَأْوِيلِ: يَنْبَغِي، {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آلِ عِمْرَانَ: 161] مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ، لَيْسَ هَذَا مِنْ أَخْلَاقِهِ. قَالَ: فَلِذَلِكَ إِذَا دَخَلَتْ "أَن" لِتَدُلَّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، لِأَنَّ "يَنْبَغِي" تَطْلُبُ الِاسْتِقْبَالَ. وَأَمَّاقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ}" فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُنْزِلَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لِمَوْتَاهُمُ الْمُشْرِكِينَ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ خَبَرًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مَرْيَمَ: 47]. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ حَضَرَنَا ذِكْرُهُ، وَسَنَذْكُرُ عَمَّنْ لَمْ نَذْكُرْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ: أَيَسْتَغْفِرُ الرَّجُلُ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} " إِلَى " {تَبَرَّأَ مِنْهُ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، حَتَّى نَزَلَتْ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} "إِلَى قَوْلِهِ: " تَبَرَّأَ مِنْهُ ". وَقِيلَ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ} "وَمَعْنَاهُ: إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَوْعِدَةٍ، كَمَا يُقَالُ: " مَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا عَنْ سَبَبِ كَذَا "بِمَعْنَى: مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ السَّبَبِ، أَوْ مِنْ أَجْلِهِ. فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ " مِنْ أَجْلِ مَوْعِدَةِ وَبَعْدَهَا. وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ قَوْلَ اللَّهِ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} " الْآيَةَ، أَنَّ النَّهْيَ مِنَ اللَّهِ عَنِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، لِقَوْلِهِ: " {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} وَقَالُوا: ذَلِكَ لَا يَتَبَيَّنُهُ أَحَدٌ إِلَّا بِأَنْ يَمُوتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَأَمَّا وَهُوَ حَيٌّ فَلَا سَبِيلَ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ، فَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ وَيَدْفِنَهُ، وَيَدْعُوَ لَهُ بِالصَّلَاحِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ، وَكَلَهُ إِلَى شَأْنِهِ! ثُمَّ قَالَ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}، لَمْ يَدْعُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ، فَوَكَلَهُ ابْنُهُ إِلَى أَهْلِ دِينِهِ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْهِ لَوْ مَشَى مَعَهُ وَأَجَنَّهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ؟ ثُمَّ تَلَا {" وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} " الْآيَةَ. وَتَأَوَّلَ آخَرُونَ "الِاسْتِغْفَار" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، بِمَعْنَى الصَّلَاةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، وَلَوْ كَانَتْ حَبَشِيَّةً حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، لِأَنِّي لَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ يَحْجُبُ الصَّلَاةَ إِلَّا عَنِ الْمُشْرِكِينَ، يَقُولُ اللَّهُ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ". وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ، بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ الَّذِي هُوَ دُعَاءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ زَامِلٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا اسْتَغْفَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأُمِّهِ، قُلْتُ: وَلِأَبِيهِ؟ قَالَ: لَا إِنَّ أَبِي مَاتَ وَهُوَ مُشْرِكٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّمَعْنَى " الِاسْتِغْفَارِ ": مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ غَفْرَ الذُّنُوبِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ ذَلِكَ قَدْ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا فَاسِدًا، لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِالنَّهْيِ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِ، بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ، وَلَمْ يُخَصَّصْ عَنْ ذَلِكَ حَالًا أَبَاحَ فِيهَا الِاسْتِغْفَارَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم" فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَا قَدْ بَيَّنْتُ، مِنْ أَنَّهُ: مِنْ بَعْدِ مَا يَعْلَمُونَ بِمَوْتِهِ كَافِرًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقِيلَ: "أَصْحَابُ الْجَحِيم" لِأَنَّهُمْ سُكَّانُهَا وَأَهْلُهَا الْكَائِنُونَ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ لِسُكَّانِ الدَّارِ: "هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ هَذِهِ الدَّار" بِمَعْنَى: سُكَّانُهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّازِقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}، قَالَ: تَبَيَّنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ حِينَ مَاتَ أَنَّ التَّوْبَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "تَبَيَّنَ لَه" حِينَ مَاتَ، وَعَلِمَ أَنَّ التَّوْبَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: " مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ". حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ: " {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} " الْآيَةَ، يَقُولُ: إِذَا مَاتُوا مُشْرِكِينَ، يَقُولُ اللَّهُ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} الْآيَةَ، [الْمَائِدَةِ: 72]. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}". قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ بِمَوْتِهِ مُشْرِكًا بِاللَّهِ، تَبَرَّأَ مِنْهُ، وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا زَالَ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا زَالَ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ يَزَلْ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" يَعْنِي: اسْتَغْفَرَ لَهُ مَا كَانَ حَيًّا، فَلَمَّا مَاتَ أَمْسَكَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ. حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ وَأَبُو قُتَيْبَةَ مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" قَالَ: لَمَّا مَاتَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه" قَالَ: مَوْتُهُ وَهُوَ كَافِرٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَيٌّ، عَنْ شُعْبَةَ. عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" قَالَ: حِينَ مَاتَ وَلَمْ يُؤْمِنْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ": مَوْتُهُ وَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" قَالَ: لَمَّا مَاتَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" لَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ " تَبَرَّأَ مِنْهُ ". حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيه" كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَرْجُو أَنْ يُؤْمِنَ أَبُوهُ مَا دَامَ حَيًّا، فَلَمَّا مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْه" قَالَ: مَوْتُهُ وَهُوَ كَافِرٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا زَالَ إِبْرَاهِيمُ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّه" قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجُوزَ الصِّرَاطَ فَيَمُرُّ بِهِ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يُجَاوِزَهُ، حَانَتْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ الْتِفَاتَةٌ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فِي صُورَةِ قِرْدٍ أَوْ ضَبْعٍ، فَيُخَلِّي عَنْهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ حِينَئِذٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: " رَبِّ وَالِدِي، رَبِّ وَالِدِي "! فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَةُ، أَخَذَ بِيَدِهِ، فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَانٌ، فَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: إِنَّكُمْ مَجْمُوعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَسْمَعُكُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُكُمُ الْبَصَرُ. قَالَ: فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا وَقَعَ لِرُكْبَتَيْهِ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ! قَالَ: فَحَسِبْتُهُ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي! وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ كَحَدِّ السَّيْفِ، دَحْضِ مَزِلَّةٍ، وَفِي جَانِبَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ خَطَاطِيفُ كَشَوْكِ السَّعْدَانِ. قَالَ: فَيَمْضُونَ كَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الرِّكَابِ، وَكَأَجَاوِيدِ الرِّجَالِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: "رَبِّ سَلِّمْ سُلِّم" فَنَاجٍ سَالِمٌ وَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ، يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ: إِنِّي كُنْتُ آمُرُكَ فِي الدُّنْيَا فَتَعْصِينِي، وَلَسْتُ تَارَكَكَ الْيَوْمَ، فَخُذْ بِحَقْوَيْ! فَيَأْخُذُ بِضَبْعَيْهِ، فَيُمْسَخُ ضَبُعًا، فَإِذَا رَأَهُ قَدْ مُسِخَ تَبَرَّأَ مِنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ اللَّهِ، وَهُوَ خَبَرُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ أَبَاهُ لِلَّهِ عَدُوٌّ، يَبَرَّأَ مِنْهُ، وَذَلِكَ حَالَ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ أَنَّهُ لِلَّهِ عَدُوٌّ، وَهُوَ بِهِ مُشْرِكٌ، وَهُوَ حَالَ مَوْتِهِ عَلَى شِرْكِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي " الْأَوَّاهِ ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الدَّعَّاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "الْأَوَّاه" الدَّعَّاءُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "الْأَوَّاه" الدَّعَّاءُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَاصِمٍ ابْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ: هُوَ الدَّعَّاءُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَثَلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الدَّعَّاءُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَثَلَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الدَّعَّاءُ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الدَّعَّاءُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الرَّحِيمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطَيْنِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ رَجُلٍ ضَرِيرِ الْبَصَرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَحَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ جَمِيعًا، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: مَا " الْأَوَّاهُ "؟ قَالَ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَنْ نَسْأَلُ إِذَا لَمْ نَسْأَلْكَ؟ فَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَقَّ لَهُ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ "الْأَوَّاه" قَالَ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطَيْنِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ: هُوَ الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ قَالَ: جَاءَ أَبُو الْعُبَيْدَيْنِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: مَا " الْأَوَّاهُ "؟ قَالَ: الرَّحِيمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَوَاءَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ وَهَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "الْأَوَّاه" الرَّحِيمُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ: أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ قَالَ يَعْقُوبُ: كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: كَانَ مَكْفُوفَ الْبَصَرِ- سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: مَا " الْأَوَّاهُ "؟ قَالَ: الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: "الْأَوَّاه" الرَّحِيمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: هُوَ الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ "الْأَوَّاه" الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاه" قَالَ: رَحِيمٌ. قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الرَّحِيمُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ "الْأَوَّاه" فَقَالَ الرَّحِيمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الرَّحِيمُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الرَّحِيمُ بِعِبَادِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الرَّحِيمُ بِلَحْنِ الْحَبَشَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْمُوقِنُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الْمُوقِنُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَقِيهُ الْمُوقِنُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هُوَ الْمُوقِنُ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْأَوَّاه" الْمُوقِنُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "أَوَّاه" مُوقِنٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "أَوَّاه" قَالَ: مُؤْتَمَنٌ مُوقِنٌ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيم" قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الْمُوقِنُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ كَلِمَةٌ بِالْحَبَشَةِ، مَعْنَاهَا: الْمُؤْمِنُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "لَأَوَّاهٌ حَلِيم" قَالَ: "الْأَوَّاه" هُوَ الْمُؤْمِنُ بِالْحَبَشِيَّةِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاه" يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ التَّوَّابَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الْمُؤْمِنُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: "الْأَوَّاه" الْمُؤْمِنُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمُسَبِّحُ، الْكَثِيرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": الْمُسَبِّحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ اللَّهِ وَيُسَبِّحُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَوَّاهٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "الْأَوَّاه" الْكَثِيرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي يُكْثِرُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَ مَيِّتًا، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا! يَعْنِي: تَلَّاءً لِلْقُرْآن». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مِنَ التَّأَوُّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ قَاصٍّ كَانَ بِمَكَّةَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الطَّوَافِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَوَّهْ! قَالَ: فَشَكَاهُ أَبُو ذَرٍّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعْهُ إِنَّهُ أَوَّاهٌ! حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ كَانَ أَصْلُهُ رُومِيًّا، يُحَدِّث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "أَوَّهْ! أَوَّه" فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ أَوَّاهٌ! زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْفِنُ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَيْلًا وَمَعَهُ الْمِصْبَاحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: " الْأَوَّاهُ ": إِذَا ذَكَرَ النَّارَ قَالَ: أَوَّهْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ إِذَا ذَكَرَ النَّارَ قَالَ: أَوَّهْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاه" قَالَ: إِذَا ذَكَرَ النَّارَ قَالَ: " أَوِّهْ مِنَ النَّارِ ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَقِيهٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاه" قَالَ: فَقِيهٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمُتَضَرِّعُ الْخَاشِعُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا " الْأَوَّاهُ "قَالَ: الْمُتَضَرِّعُ، قَالَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْأَوَّاهُ ": الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ زِرٌّ: أَنَّهُ الدَّعَّاءُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَوَصَفَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، بَعْدَ وَصْفِهِ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِأَبِيهِ، فَقَالَ: " {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}، وَتَرَكَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَدَعَّاءٌ لِرَبِّهِ، شَاكٍ لَهُ، حَلِيمٌ عَمَّنْ سَبَّهُ وَنَالَهُ بِالْمَكْرُوهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَدَ أَبَاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَدُعَاءِ اللَّهِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، عِنْدَ وَعِيدِ أَبِيهِ إِيَّاهُ، وَتَهَدُّدِهِ لَهُ بِالشَّتْمِ، بَعْدَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ نَصِيحَتَهُ فِي اللَّهِ وَقَوْلِهِ: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}، فَقَالَ لَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}، [مَرْيَمَ: 48]. فَوَفَّى لِأَبِيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ، فَوَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ دَعَّاءٌ لِرَبِّهِ، حَلِيمٌ عَمَّنْ سَفِهَ عَلَيْهِ. وَأَصْلُهُ مِنَ "التَّأَوُّه" وَهُوَ التَّضَرُّعُ وَالْمَسْأَلَةُ بِالْحُزْنِ وَالْإِشْفَاقِ، كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْخَبَرَ الَّذِي حَدَّثَنِيهِ:- يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ "ذُو الْبِجَادَيْنِ ": " إِنَّهُ أَوَّاهٌ "! وَذَلِكَ أَنَّهُ رَجُلٌ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ. وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمُتَوَجِّعِ مِنْ أَلَمٍ أَوْ مَرَضٍ: "لَا تَتَأَوَّه" كَمَا قَالَ الْمُثَقِّبُ الْعَبْدِيُّ: إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ: ضَرُوحٍ مَرُوحٍ تُتْبِعُ الْوُرْقَ بَعْدَمَا يُعَرِّسْنَ شَكْوَى آهَةً وَتَنَمُّرَا وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَنْطِقُ مِنْهُ: بِ "فَعَلَ يَفْعَل" وَإِنَّمَا تَقُولُ فِيهِ: "تَفَعَّلَ يَتَفَعَّل" مِثْلَ: "تَأَوَّهَ يَتَأَوَّه" " وَأَوَّهَ يُؤَوِّهُ ". كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: فَأَوَّهَ الرَّاعِي وَضَوْضَى أَكْلُبُهُ وَقَالُوا أَيْضًا: "أَوْهِ مِنْكَ!" ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ أَنْشَدَهُ: فَأَوْهِ مِنَ الذِّكْرَى إِذَا مَا ذَكَرْتُهَا وَمِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنَا وَسَمَاءِ قَالَ: وَرُبَّمَا أَنْشَدَنَا: {فَأَوٍّ مِنَ الذِّكْرَى}، بِغَيْرِهَا. وَلَوْ جَاءَ "فَعَل" مِنْهُ عَلَى الْأَصْلِ لَكَانَ: " آهَ، يَئُوهُ أَوْهًا ". وَلِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: "تَوَجَّعَ، وَتَحَزَّنَ، وَتَضَرَّع" اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ الِاخْتِلَافَ الَّذِي ذَكَرْتُ. فَقَالَ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ " الرَّحْمَةُ ": أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى وَجْهِ الرِّقَّةِ عَلَى أَبِيهِ، وَالرَّحْمَةِ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِصِحَّةِ يَقِينِهِ، وَحُسْنِ مَعْرِفَتِهِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَتَوَاضُعِهِ لَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ لِصِحَّةِ إِيمَانِهِ بِرَبِّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ تَنْزِيلَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَا قُلْتُ، وَتَقَارَبَ مَعْنَى بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْحَزِينَ الْمُتَضَرِّعَ إِلَى رَبِّهِ، الْخَاشِعَ لَهُ بِقَلْبِهِ، يَنُوبُهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ فِي حَاجَاتِهِ، وَتَعْتَوِرُهُ هَذِهِ الْخِلَالُ الَّتِي وَجَّهَ الْمُفَسِّرُونَ إِلَيْهَا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْكُمْ، فِي اسْتِغْفَارِكُمْ لِمَوْتَاكُمُ الْمُشْرِكِينَ، بِالضَّلَالِ، بَعْدَ إِذْ رَزَقَكُمُ الْهِدَايَةَ، وَوَفَّقَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، حَتَّى يَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، فَتَتْرُكُوا الِانْتِهَاءَ عَنْهُ. فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، ثُمَّ تَتَعَدَّوْا نَهْيَهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْكُمْ بِالضَّلَالِ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ إِنَّمَا يَكُونَانِ مِنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ وَلَمْ يُنْهَ، فَغَيْرُ كَائِنٍ مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ " {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ} " يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا خَالَطَ أَنْفُسَكُمْ عِنْدَ نَهْيِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِمَوْتَاكُمُ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الْجَزَعِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ قَبْلَ تَقَدُّمِهِ إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَرَائِرِ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ عِبَادِهِ وَظَوَاهِرِهَا، فَبَيَّنَ لَكُمْ حِلْمَهُ فِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، لِيَضَعَ عَنْكُمْ ثِقَلَ الْوَجْدِ بِذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} " قَالَ: بَيَانُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، وَفِي بَيَانِهِ طَاعَتُهُ وَمَعْصِيَتُهُ، فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} " قَالَ: بَيَانُ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَنْ لَا يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، وَفِي بَيَانِهِ طَاعَتُهُ وَمَعْصِيَتُهُ عَامَّةً، فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: " {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} " قَالَ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي أَنْ لَا يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، فِي بَيَانِهِ، فِي طَاعَتِهِ وَفِي مَعْصِيَتِهِ، فَافْعَلُوا أَوْ ذَرُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُوَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ، أَيُّهَا النَّاسُ لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُلْكُهُمَا، وَكُلُّ مَنْ دُونَهُ مِنَ الْمُلُوكِ فَعُبَيْدُهُ وَمَمَالِيكُهُ، بِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَوْتُهُمْ، يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ، وَيُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ، فَلَا تَجْزَعُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مِنْ قِتَالِ مَنْ كَفَرَ بِي مِنَ الْمُلُوكِ، مُلُوكَ الرُّومِ كَانُوا أَوْ مُلُوكَ فَارِسٍ وَالْحَبَشَةِ، أَوْ غَيْرَهُمْ، وَاغْزُوهُمْ وَجَاهِدُوهُمْ فِي طَاعَتِي، فَإِنِّي الْمُعِزُّ مَنْ أَشَاءُ مِنْهُمْ وَمِنْكُمْ، وَالْمُذِلُّ مَنْ أَشَاءُ. وَهَذَاحَضٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالِ كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِهِمِنَ الْمَمَالِيكِ، وَإِغْرَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ بِحَرْبِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}، يَقُولُ: وَمَا لَكَمَ مِنْ أَحَدٍ هُوَ لَكُمْ حَلِيفٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ يُظَاهِرُكُمْ عَلَيْهِ، إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ فَعَاقَبَكُمْ عَلَى خِلَافِكُمْ أَمْرَهُ، يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْ عِقَابِهِ {وَلَا نَصِيرٍ}، يَنْصُرُكُمْ مِنْهُ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا. يَقُولُ: فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْهَبُوا، وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ مَنْ كَفَرَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَرَى مِنْكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ بِأَنَّ لَكُمُ الْجَنَّةَ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ فَتَقْتُلُونَ وَتُقْتَلُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِمِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ الْإِنَابَةَ إِلَى أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ، نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُهَاجِرِينَ دِيَارَهُمْ وَعَشِيرَتَهُمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَنْصَارَ رَسُولِهِ فِي اللَّهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ وَالظَّهْرِ وَالزَّادِ وَالْمَاءِ {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}، يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَمِيلُ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَشُكُّ فِي دِينِهِ وَيَرْتَابُ، بِالَّذِي نَالَهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ فِي سَفَرِهِ وَغَزْوِهِ {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}، يَقُولُ: ثُمَّ رَزَقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْإِنَابَةَ وَالرُّجُوعَ إِلَى الثَّبَاتِ عَلَى دِينِهِ، وَإِبْصَارَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ قَدْ كَادَ يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكُمْ بِالَّذِينِ خَالَطَ قُلُوبَهُمْ ذَلِكَ لِمَا نَالَهُمْ فِي سَفَرِهِمْ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْمَشَقَّةِ رَءُوفٌ بِهِمْ (رَحِيمٌ)، أَنْ يُهْلِكَهُمْ، فَيَنْزِعَ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ بَعْدَ مَا قَدْ أَبْلَوْا فِي اللَّهِ مَا أَبْلَوْا مَعَ رَسُولِهِ، وَصَبَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ: {فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، قَالَ: خَرَجُوا فِي غَزْوَةٍ، الرَّجُلَانِ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى بَعِيرٍ. وَخَرَجُوا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَأَصَابَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَجَعَلُوا يَنْحَرُونَ إِبِلَهُمْ فَيَعْصِرُونَ أَكْرَاشَهَا، وَيَشْرَبُونَ مَاءَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ عُسْرَةً مِنَ الْمَاءِ، وَعُسْرَةً مِنَ الظَّهْرِ، وَعُسْرَةً مِنَ النَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، قَالَ: غَزْوَةُ تَبُوكَ، قَالَ: "الْعُسْرَة" أَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَشُقَّانِ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمْ لَيَمُصُّونَ التَّمْرَةَ الْوَاحِدَةَ، وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهَا الْمَاءَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، قَالَ: غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}، قَالَ: عُسْرَةُ الظَّهْرِ، وَعُسْرَةُ الزَّادِ، وَعُسْرَةُ الْمَاءِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الْآيَةَ، الَّذِينَ اتَّبَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قِبَلَ الشَّأْمِ فِي لَهَبَانِ الْحَرِّ عَلَى مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنَ الْجُهْدِ، أَصَابَهُمْ فِيهَا جُهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ كَانَا يَشُقَّانِ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ النَّفَرُ يَتَنَاوَلُونَ التَّمْرَةَ بَيْنَهُمْ، يَمُصُّهَا هَذَا ثُمَّ يَشْرَبُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَمُصُّهَا هَذَا ثُمَّ يَشْرَبُ عَلَيْهَا، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَقْفَلَهُمْ مِنْ غَزْوِهِمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا أَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَذْهَبُ يَلْتَمِسُ الْمَاءَ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ، فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ، وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ لَنَا! قَالَ: تُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ السَّمَاءُ، فَأَظَلَّتْ، ثُمَّ سَكَبَتْ، فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ، ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ زِيَادَةَ الْعَطَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: حَدِّثْنَا عَنْ شَأْنِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ! فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِيمَا قِيلَ، هُمُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 106]، فَتَابَ عَلَيْهِمْ عَزَّ ذِكْرَهُ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: وَلَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَىالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَنِ التَّوْبَةِ، فَأَرْجَأَهُمْ عَمَّنْ تَابَ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: خُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَمَّا قَوْلُهُ: (خُلِّفُوا)، فَخُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ. {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}، يَقُولُ: بِسِعَتِهَا، غَمًّا وَنَدَمًا عَلَى تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ}، بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْوَجْدِ وَالْكَرْبِ بِذَلِكَ {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ}، يَقُولُ: وَأَيْقَنُوا بِقُلُوبِهِمْ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُمْ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مِنَ الْبَلَاءِ، بِتَخَلُّفِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُنْجِيهِمْ مِنْ كَرْبِهِ، وَلَا مِمَّا يَحْذَرُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ- إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ رَزَقَهُمُ الْإِنَابَةَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى مَا يُرْضِيهِ عَنْهُمْ، لِيُنِيبُوا إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْوَهَّابُ لِعِبَادِهِ الْإِنَابَةَ إِلَى طَاعَتِهِ، الْمُوَفِّقُ مَنْ أَحَبَّ تَوْفِيقَهُ مِنْهُمْ لِمَا يُرْضِيهِ عَنْهُ (الرَّحِيمُ)، بِهِمْ، أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، أَوْ يَخْذُلَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ وَلَا يَتُوبُ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، أَوْ: ابْنُ رَبِيعَةَ، شَكَّ أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَامِرٍ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: أُرْجِئُوا، فِي أَوْسَطِ " بَرَاءَةَ ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: الَّذِينَ أُرْجِئُوا فِي أَوْسَطِ "بَرَاءَة" قَوْلُهُ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 106] هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، الَّذِينَ أُرْجِئُوا فِي وَسَطِ " بَرَاءَةَ ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: الَّذِينَ أُرْجِئُوا. قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ شَاعِرًا وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ ابْنُ أُمَيَّةَ، وَكُلُّهُمْ أَنْصَارِيٌّ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَوْثَقَ نَفْسَهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: لَا أُطْلِقُهَا أَوْ لَا أُطْلِقُ نَفْسِي حَتَّى يُطْلِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُ حَتَّى يُطْلِقَهُ رَبُّهُ إِنْ شَاءَ! وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ تَخَلَّفَ عَلَى حَائِطٍ لَهُ كَانَ أُدْرِكَ، فَجَعَلَهُ صَدَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ! وَأَمَّا الْآخَرُ فَرَكِبَ الْمَفَاوِزَ يَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ، تَرْفَعُهُ أَرْضٌ وَتَضَعُهُ أُخْرَى، وَقَدَمَاهُ تَشَلْشَلَانِ دَمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ عَنْ سَلَامٍ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، قَالَ: هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: مَا كُنْتُ فِي غَزَاةٍ أَيْسَرُ لِلظَّهْرِ وَالنَّفَقَةِ مِنِّي فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ! قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلْتُ: "أَتَجَهَّزُ غَدًا ثُمَّ أَلْحَقُه" فَأَخَذْتُ فِي جِهَازِي، فَأَمْسَيْتُ وَلَمْ أَفْرَغْ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، أَخَذْتُ فِي جِهَازِي، فَأَمْسَيْتُ وَلَمْ أَفْرَغْ، فَقُلْتُ: هَيْهَاتَ! سَارَ النَّاسُ ثَلَاثًا! فَأَقَمْتُ. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَ النَّاسُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ فِي غَزَاةٍ أَيْسَرُ لِلظَّهْرِ وَالنَّفَقَةِ مِنِّي فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ! فَأَعْرَضَ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَلَّا يُكَلِّمُونَا، وَأُمِرَتْ نِسَاؤُنَا أَنْ يَتَحَوَّلْنَ عَنَّا. قَالَ: فَتَسَوَّرْتُ حَائِطًا ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أَنَا بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: أَيْ جَابِرُ! نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، هَلْ عَلِمْتَنِي غَشَشْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمًا قَطُّ؟ فَسَكَتَ عَنِّي فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمُنِي. فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَمِعْتُ رَجُلًا عَلَى الثَّنِيَّةِ يَقُولُ: كَعْبُ! كَعْبُ! حَتَّى دَنَا مِنِّي، فَقَالَ: بَشِّرُوا كَعْبًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، وَهُوَ يُرِيدُ الرُّومَ وَنَصَارَى الْعَرَبِ بِالشَّامِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَبُوكَ، أَقَامَ بِهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَلَقِيَهُ بِهَا وَفْدُ أَذْرُحَ وَوَفْدُ أَيْلَةَ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ، ثُمَّ قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} الْآيَةَ. وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا: رَهْطٌ مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ وَمَرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي وَاقِفٍ، وَكَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فِي بِضْعَةٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَدَقَهُ أُولَئِكَ حَدِيثَهُمْ، وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، وَكَذَّبَ سَائِرُهُمْ، فَحَلَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْعُذْرُ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ وَبَايَعَهُمْ، وَوَكَلَهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَقَالَ لَهُمْ حِينَ حَدَّثُوهُ حَدِيثَهُمْ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ: قَدْ صَدَقْتُمْ، فَقُومُوا حَتَّى يَقْضِي اللَّهُ فِيكُمْ. فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ، تَابَ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ}، حَتَّى بَلَغَ: {لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 95، ]. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدُ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ، إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. فَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ. فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَاوِزَ، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كُتَّابٌ حَافِظٌ- يُرِيدُ بِذَلِكَ: الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ. وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَأَنَا إِلَيْهِمَا أَصْعَرُ. فَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، [فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: "أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ!" فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي، حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجَدُّ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ]، وَلَمْ أَقَضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى [بِي]، حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، فَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي. فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْزِنُنِي أَنِّي لَا أَرَى لِي أُسْوَةً إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ. وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ! [ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ! وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا]! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ! فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ، فَلَمِزَهُ الْمُنَافِقُونَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي بَثِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأَقُولُ: "بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا "؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي. فَلَمَّا قِيلَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا! " زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، حَتَّى عَرَفَتْ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ. حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ! فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، لَقَدْ أُعْطِيْتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ! وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ، قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ! فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنَ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا! لَقَدْ عَجَزْتَ فِي أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ- اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ! قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي! قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ. قَالَ: قَلَتْ: مَنْ هَمَّا؟ قَالُوا: مَرَارَةُ بْنُ رَبِيعٍ الْعَامِرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ. قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ. فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ وَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: "هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟ " ثُمَّ أُصَلِّي مَعَهُ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ! فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ. قَالَ: فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا بِنَبَطِيٍّ مِنْ نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى جَاءَنِي، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مَنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ ". قَالَ: فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهُ: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ!! فَتَأَمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجَّرْتُهُ بِهِ. حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبْهَا. قَالَ: وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيْ بِذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكَ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ! قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ! وَوَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالٍ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ قَالَ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُدْرِينِي مَاذَا يَقُولُ لِي إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ! فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمَلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا. قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ، يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ. قَالَ: وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيْ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنَ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرِعَ مِنَ الْفَرَسِ. فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكَ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ! حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي، وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ قَالَ: فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ! فَقُلْتُ: أَمِنَ عِنْدَكَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ! وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلَعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ! قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ! قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ، مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَحْسَنَ مِمَّا ابْتَلَانِي، وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قَلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ}، حَتَّى بَلَغَ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، إِلَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. قَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينِ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَ مَا قَالَ لِأَحَدٍ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 95، ]. قَالَ كَعْبٌ: خُلِّفْنَا، أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَتَهُمْ حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ. فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا إِلَّا بَدْرًا، وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ السَّلِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ كَعْبٍ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحَدِيثَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ: مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
|